المجامع البوذية

 

لما انطفأ مصباح الحكمة قال احد الرهبان : اما وقد ذهب الزاهد الكبير فقد آن لنا ان نستريح من هذه التعاليم الكثيرة أان نفعل ما نشاء. فأنبرى له أكبر الرهبان سناً وأسمه "كسايا" ودعا الى اجتماع الرهبان ليقرروا التعاليم الثابتة التي وضعت للسانغا في حياة المستنير.  فلبى الدعوة خمسمائة من الرهبان واجتمعوا في مكان بقرب - راجا تماها - ليقروا هذه التعاليم بالتلاوة والجمع فجمعت التعاليم فيما بعد بالسلال الثلاث.  فصارت هذه التعاليم هي الدستور الذي يسير عليه السانغا وظل الأملر كذلك حتى المجمع الرابع.

اما المجمع الثاني فقد انعقد بعد المجمع الأول بحوالي مائة عام في مدينة - فسالي - وكان الداعي الى انعقاده ان بعض الرهبان تقدموا يطالبون برفع بعض القوانين بدعوى انها صارمة يجب ازالتها ولكن الرهبان القدامى ممن عاشروا المستنيرعدوا المطلب مخالفاً لشريعة البوذا وفي هذا الأجتماع تمت تلاوة الكتب المقدسة على مسمع الرهبان الذين بلغ عددهم انذاك سبعمائة راهب ممن بلغوا درجة الأراهطة او القديسين.

والمجمع الثالث كان انعقاده في القرن الثالث بعد المستنير وذلك في عهد الأمبراطور العظيم - اسوكا - .

ومن انتشار البوذية والأقبال عليها أندس فيها كثيرون من طلاب المنفعة وذوي المآرب الشخصية فكان من أثر ذلك ان ظهرت في السانغا أراء جديدة مغايرة لروح العقيدة الأولى.  فكان ذلك من اسباب دعوة المجمع الرابع الذي تليت فيه الكتب البوذية كلها تلاها راهب خلال تسعة اشهر.  وفي هذا المجمع وضعت قرارات لتطهير السانغا من اصحاب الأراء المخالفة للتعاليم الأولى كما تقرر ارسال البعثات التبشيرية الى كافة بلاد الأمبراطورية الهندية والى العالم الخارجي.

وكان الملك اسوكا يحكم - المجدلا -  ويبسط نفوذه من كشمير شمالاً الى مدراس جنوباً.  وكان من اشهر الحكام واعدلهم فكان عهده من اعظم العهود.  وفي ظل نفوذه انتشرت البوذية فنزلت سيلان وبورما وتايلاند حيث نمت البوذية وترعرعت وأثمرت بعد ان كان قد ضاق بها موطنها الأول.

والمجمع الرابع كان انعقاده في سيلان في المئة السادسة بعد بوذا او حوالي عام 25 قبل مولد المسيح.  وفي هذا المجمع دُونت الكتب البوذية التي ظلت حتى ذلك الوقت تعتمد على الرواية والسمع وكان تدوينها في اللغة البالية وسميت المجموعة بالسلال الثلاث احتوت السلة الأولى على التعاليم الخاصة بالرهبان.  وجمعت في السلة الثانية العظات التعليمية التي كان يلقيها المستنير على العامة من الناس.  اما السلة الثالثة فأحتفت بالفلسفة البوذية.  وتلا هذا المجمع مجمع خامس عقد في بورما عام 1871 للميلاد.  وفيه كتبت الكتب المقدسة على 721 قطعة من الرخام ووضعت في سفح تل مندلاي.

وآخر المجامع البوذية المجمع الذي انعقد عام 1956 ميلادياً في رانجون.  وفيه تلت الكتب المقدسة ثم تقرر ترجمتها الى اللغات الحديثة.

 

المدارس البوذية

في البوذية في الوقت الحاضر مدرستان رئيسيتان : مدرسة السيرنادا او الأشياغ في سيلان وبورما وتايلاند وكمبوديا ولاوس.  وتعرف بأسم البانيانا او الطريق الصغير.

والمدرسة الثانية فتوجد في شمال الهند والتبت زاليابان وتعرف بأسم الماهيانا او الطريق الكبير.

ومن الماهيانا نشأت فروع اخرى عديدة سيما في اليابان وأهم هذه الفروع مدرسة أو مذهب الشان.  وهو نوع واسع الأنتشار في اليابان واوروبا وامريكا.  وهو أطرف المذاهب البوذية وأغربها حتى لا يكاد يشبه التعاليم البوذية القديمة إلا في القليل ولكن اصحابه يدعون إنه عودة صادقة الى البوذية في عهدها الأول الأصيل.  ومهما يكن من شيئ فأن المدارس البوذية على اختلاف اسمائها تتفق في ألأصول.  فالحقائق الأربع السامية والطريق الثماني وعقيدة العلة والمعلول والكاما وتعدد الموالد والدعوة الى السلام والحب الكامل لكل البشر هذه كلها أرض مشتركة للجميع وانما يكون الأختلاف في التفاصيل. كالدونات وطريقة السيادة وفي سيلان يعتمدون على الكتب التي دونت في اللسان البلي ويرون انها تحتوي على تعاليم البوذا كما رواها عنه الرهبان بالسماع من المجمع الأول بعد وفاة البوذا الى المجمع الرابع عام 225 قبل الميلاد حين دونت لأول مرة.

اما البوذية في شمال الهند وشرقها تعتمد على المدونات في اللغة السنكسريتية وهي بأتفاق العلماء تجيئ في عهد متأخر عن المدونات في اللغة البالية وهي في اسلوبها أقرب الى اسلوب الأوبيشادات وعليها بصمات الفكر الهندي.  اما المدونات في اللسان البالي وأن كانت اقدم عهداً فأن عليها سمة من رتابة مملة واغلب الظن انها من وضع الرهبان وأنشائهم وأن كان جوهر القول للمستنير ولا شك ان البوذا كسقراط والمسيح لم يكتب شيئاً وانما روى عنهم تلاميذهم ما راوا وان هذه التعاليم أعني تعاليم بوذا ظلت وقتاً طويلاً تعتمد على الحفظ والرواية ولم تدون إلا بعد انعقاد المجمع الرابع الذي انعقد في حوالي عام 25 قبل مولد المسيح والذي دونت فيه التعاليم البوذية في اللسان البالي بعد ان جمعت فيما يسمى بالسلال الثلاث ويعني هذا ان تعاليم البوذا ظلت زهاء 400 عام تعتمد على الرواية.

وليس في همنا ان ندخل في تفاصيل الخلافات بين المذاهب الكثيرة فهذا يحتاج الى بحث طويل مستقل وحسبنا ان نقول انه اذا ساغ لنا ان نشبه البوذية بقصر منيف ذي طوابق متعددة لقلنا ان الطابق الأول من القصر يشبه البوذية الأولى في سيلان وجنوب اسيا. اما الطابق الثاني بشرفاته الواسعة وأبهائه الضخمة وزيناته واضوائه ورياشه فيشبه بوذية الشمال وهناك طوابق اخرى مماثلة ثم يأتي الطابق الأخير أو حديقة السطح وهي تشبه مذهب - الثان - أو - الزن - الواسع الأنتشار في اليابان.  وهو مختلف كل الأختلاف عن المذاهب البوذية الأخرى أختلاف حديقة السطح من الطابق الأول ذي الأساسات المتينة والعمد الساقفة البسيطة ذات الضؤ الخافت الرهيب.  كما يمكننا القول بأن البوذية بوذيتان.  بوذية عهد بوذا وهي في كلمات عبارة عن خطبة بنارس بما فيها من الحقائق الأربع السامية والطريق الثماني وبوذية ما بعد بوذا سواء في الجنوب او الشمال او الشرق البعيد وما بعد.  فيها واضيف اليها نظريات وعبادات محلية وتعبدات بوذية وشحطات صوفية باعدت بينها وبين العقيدة الأولى في شكلها ألأول البسيط.

وليس هذا القول جديد فلهذه الظاهرة نظائر واشباه في الديانات الأخرى.  فعلى هذا القياس يمكن القول بأنن المسيحية مسيحيتان:  مسيحية المسيح وهي بكل بساطة تعني موعظة الجبل والصلاة الربانية والأمثال التي كان يضربها للناس وهي مستمدة من واقع حياتهم.  ومسيحية ما بعد المسيح بما فيها من ابحاث لأهوتية طارئة وطقوس وكهنوت وكتب مقدسة واسرائليات وكنائس شرقية وغربية ومذاهب لا حصر لها في اوروبا وامريكا الشمالية مما باعد بينها وبين المسيحية الأولى في بساطتها ونقائها الأصيل.

 

 

ولوجاز لنا ان نلخص البوذية في كلمات لأخترنا هذه المقطوعة من الداما بادة في فصل الخطاب:

ليمتنع الأنسان عن الشر

ويصنع الخير

ويزكي فكره بالتأمل

بهذا علم كل البوذاوات.